Sunday, March 22, 2009
النقاب من المظاهر الحديثة نوعاً ما على المجتمع المصري المعاصر....
أتذكره عندما كنت صغيراً في مشاهدات قليلة.اقتصرت في أغلب الأحيان على عائلات الإسلاميين بمدينتي التي نشأت بها (مدينة أسيوط) ولم يكن غالبا عليهم جميعا إنما كان ظاهرا بوضوح في عائلات أفراد الجماعة الإسلامية و من هم قريبين منهم فكرياً وتندر مشاهدته بين أفراد عائلات جماعة الإخوان ومن هم على شاكلتهم ،وبالنسبة لسكان المدينة لم يكن هذا المشهد غريباً أو مستهجن لأنه على بعد كيلومترات قليلة من المدينة توجد مراكز وقرى الصعيد صغيرة المساحة قليلة السكان،،،في تلك القرى كنا نشاهد النساء يرتدين الملابس السوداء وأعلى تلك الملابس توجد ملاءة سوداء غير معتمة تضعها المرأة على رأسها بحيث تغطى وجهها كاملا حتى أخمص قدميها.ويرتدى ذلك الزى حينما تخرج المرأة من بيتها لأي سبب كان،وأيضا لم يكن هذا الزى قاصرا على المسلمات فقط بل كانت النساء المسيحيات يرتدهن أيضا،وبالطبع لم يكن الدافع لهؤلاء النساء وقتها هو فضائية اقرأ وأخواتها،إنما كان ذلك الزى جزء من الموروث الثقافي لتلك المجتمعات،وفي الوقت المعاصر قليلا جدا ما يشاهد هذا الزى ويقتصر فقط على عجائز النساء،ولم يختفي النقاب الإسلامي من شوارع المدينة بشكل كامل إنما قلت رؤيته بعد اختفاء سطوة الجماعة الإسلامية على شوارع أسيوط وشاهدناه للمرة الثانية بشكل واضح مرتبطاً هذه المرة بالوافدين العرب و أسرهم الدارسين بالجامعة ،ومؤخراً ومع تصاعد الخطاب الديني بأنواعه المختلفة ومع الفرضية المزعومة بأن هذا الخطاب هو الحل لجميع مشكلاتنا السابقة و اللاحقة والذي سيمكننا من التنزه في الفضاء خلال الفترات القادمة، تعددت مشاهدة النقاب في الشارع المصري بشكل عام ولكن لم يقتصر هذه المرة على فئة معينة كما أسلفنا من قبل, لكنه ظهر بين فئات مختلفة و إن كان واضحاً بكثافة في المناطق الشعبية وبين فئات الطبقة المتوسطة من الناحية المجازية أو الدنيا من الناحية الاقتصادية الواقعية،ولم يدل في تلك المرحلة على انتماء لتيار بعينه مثلما كان لاحقاً, إنما تجد موظفات حكوميات و بائعات في السوق و ممرضات و طالبات بمختلف أعمارهن حتى صغيرات السن منهن و بعض النسوة المتسولات و قليلا جدا أو نادراً ما يشاهد في المناطق التي تسكنها طبقات ثرية مالياً
وبكتابتي عن هذا الموضوع لا أقصد منة البحث في مدى شرعية أو عدم شرعية النقاب من الناحية الدينية الفقهية لأن هذا ليس مجالي،لكنني أحاول رصد أزمة تستحق منا جميعا الدراسة و الفهم لأبعادها
بدأت تلك الأزمة بمقال نشر في جريدة المصري اليوم يتضمن النص التالي

وزير الأوقاف يحارب النقاب بفتاوى الغزالي وشيخ الأزهر والمفتى
استمراراً لرفضه الشديد انتشار «النقاب» أصدر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، كتاباً جديداً أمس تحت عنوان «النقاب عادة وليس عبادة.. الرأي الشرعي في النقاب بأقلام كبار العلماء».
استند زقزوق في كتابه الجديد إلى آراء كل من: الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور على جمعة مفتى الجمهورية، والشيخ محمد الغزالي، في رفضهم النقاب، وأنه مجرد عادة لا علاقة لها بالدين وليس عبادة.
وصرح زقزوق لـ «المصري اليوم» بأنه سيتم توزيع الكتاب الجديد على أئمة المساجد والوعاظ والمفكرين لتوعية المصلين والجماهير بأن النقاب مجرد عادة، ولمواجهة الانتشار الملحوظ للنقاب فى المجتمع المصري.
قال زقزوق: «لن أسمح مطلقا بنشر (ثقافة النقاب) بين السيدات في مصر، ويجب على أئمة المساجد توعية المصلين بذلك، وأن الشريعة الإسلامية تأمر المرأة فقط بتغطية سائر الجسد، عدا الوجه والكفين لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، للسيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق: (يا أسماء، إذا بلغت المرأة المحيض فلا يصح أن يُرى منها غير هذا وذاك)، وأشار إلى الوجه والكفين».
وأضاف زقزوق: «لم يأمر الإسلام المرأة مطلقاً بارتداء النقاب، والدليل على ذلك أن الشريعة الإسلامية تأمر المرأة بكشف وجهها وكفيها أثناء تأدية الحج والعمرة، فإذا قلنا إن النقاب من الإسلام يكون هناك تناقض في الدين وهذا أمر غير مقبول».
يقع كتاب «النقاب عادة وليس عبادة»، الذي حصلت «المصري اليوم» على نسخة منه، في ٦٠ صفحة من القطع الصغيرة، ويبدأ بمقدمة للدكتور زقزوق جاء فيها: «لقد روى لى بعض الإخوة أنه شاهد برنامجاً في إحدى القنوات الفضائية ـ التي أصبح لها جمهور كبير من المشاهدين ـ يتحدث فيه المتحدث عن مواصفات النقاب، وانتهى إلى القول إنه لا يجوز أن يظهر من نقاب المرأة بياض عينيها أو رموشها، والمسموح به هو سواد العين فقط، فأين ذلك من قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)».
واستند زقزوق أيضاً لرأى الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، في رفض النقاب، والذي جاء تحت عنوان «وجه المرأة ليس بعورة.. والنقاب عادة لا عبادة»، جاء فيه: «يرى جمهور الفقهاء أن وجه المرأة ليس بعورة، وأنها مادامت تلبس الملابس المحتشمة التي لا تصف شيئاً من جسدها، ولا تكشف شيئاً منه سوى وجهها وكفيها، فإنها فى هذه الحال يكون لباسها شرعياً».
كما استند لرأى الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، الذي قال فيه: «الزى الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة هو كل زى لا يصف مفاتن الجسد، ولا يشف، ويستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين.
انتهى نص المقال ...وبدأت الأزمة !!!
ولتوضيح الإجراءات الفعلية التي قامت بها وزارة الأوقاف لتطبيق تلك الخطوة نقلا عن موقع مصراوي الذي نشر الخبر التالي
"أعلنت وزارة الأوقاف أنها رصدت 10 ملايين جنيه تحت تصرف قطاع الدعوة بالوزارة وذلك لتسيير 900 قافلة دعوية بالمحافظات لمواجهة ظاهرة انتشار النقاب ومحاربة الزيادة السكانية التي تلتهم كل عمليات التنمية التي تقوم بها الدولة وقامت الوزارة بإصدار كتاب عن النقاب جمعت فيه أراء عدد من العلماء من بينهم شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف والشيخ الغزالي وتوزيعه علي كل دعاة مصر للتأكيد علي أن النقاب عادة وليس عبادة مؤكدا أن هناك حملة منظمة للقضاء على التشدد والغلو في الدين والتي بدأت المحافظات تشهدها مؤخرا بعد انتشار بعض التيارات السلفية"
انتهى
ومع ظهور تلك التصريحات بدأت على الطرف الأخر(منتديات و مواقع الانترنت) معركة حامية الوطيس استخدمت فيها أسوأ الألفاظ لوصف مؤلفي الكتاب و على سبيل المثال وليس الحصر أطلق عليهم الوصف التالي في مواقع أنشأت خصيصا للرد عليهم وتم استخدام هذا الوصف في العديد و العديد من الصفحات...ملخصها التالي
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته يا كل مسلم
من المؤكد أنك سمعت عن الكتاب المسمي ب
( النقاب عادة و ليس عبادة )
تأليف و إخراج الثلاثي الفاسد
زقزق ( عادة و ليس عبادة ) - النقاب - يقصد حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري تقريباً
طنطأ ( حلال حلال حلال ) - الربا - يقصد طنطاوي شيخ الأزهر الضال
جُمَّع ( حرام و ليس من الدين ) – الختان - يقصد علي جمعة مفتي مصر الضال
قال المفسدون أنهم بصدد توزيع مئة ألف نسخة من كتاب الضلال الذي اخترعوه و نحن يمكننا بإذن الله الملك الحق توزيع ما يُعادل هذا العدد و أكثر مما يبين الحق و يدحض باطلهم سواء كان هذا عن طريق الكتب و الكتيبات أو أشرطة الكاسيت , أو المواد العلمية الدعوية بمختلف أشكالها علي الشبكة العنكبوتية إذا ما عمل كل واحد منا ولو الشئ اليسير....انتهى
هذا بالإضافة إلى العديد و العديد من التعليقات التي تحمل الإهانة الشديدة إلى هؤلاء الثلاثي و رسومات الكاريكاتير التي تصورهم كأنهم علماء السلطان المضلين للناس وما حملته ردود المشاركين في الصفحات المختلفة تدل فعلا إنهم رافضين لفكرة إن النقاب عادة وليس عبادة واحتوت أغلب الردود على أراء متشنجة و تحذيرات ذكورية مثل "احذري يا أختي المسلمة هذا الكتاب المضل" و البعض يتوعد أنه بمجرد أن تصل بناته إلى نهاية المرحلة الابتدائية سوف يجعلهن يرتدين النقاب و الغريب أن صوت الإناث قد غاب في هذه المعركة التي تخصهم من الأساس ،،باستثناء بعض الفتيات التي يروين تجربتهن مع النقاب وكيف أن المجتمع صار أكثر احتراما في تعامله معهن و صار الجميع يفسح لها مكان في وسائل المواصلات العامة على حد تعبير إحداهن.
و من يريد رؤية أقرب لردود الفعل على هذا الكتاب يستطيع استخدام جوجل على سبيل المثال ويقرأ التعليقات المرتبطة بهذا الموضوع
لكن فلنتمهل قليلا لندرك مدى الخلل الذي نعاني منه في أزمة مثل تلك الأزمة!!!!
أليس هؤلاء الثلاثي هم أولي العلم من المسلمين!!! وهم أيضا المنوط بهم توجيه و إفتاء المسلمين في أحوال دينهم و أنا هنا أتحدث عن الوضع الرسمي لهم ولا أعني أيضا مشايخ الفضائيات ولا مشايخ الميكروباص ولكن أتحدث عن أصحاب السلطة الرسمية التي تعطيهم الدولة الحق في الإفتاء وتصديق أحكام الإعدام و توجيه أموال الزكاة و ما خلافه ....
هل أصبح المسلمين ملكين أكثر من الملك؟؟؟
بمعنى ان عامة الشباب والفتيات المشاركين في المنتديات أصبحوا أهل فتوى أكثر من أهلها
وهل وصل بهم العلم إلى هذه الدرجة من المعارضة لهؤلاء الثلاثي؟؟
بالتأكيد هذه هي النقطة التي دفعتني لكتابة هذا الموضوع و أعتقد إنها نقطة يجب الوقوف عندها
و إدراك المعنى المستتر لها وهناك بعض الخواطر التي وردت إلى ذهني و أحاول على الورق ترجمتها ليتسنى لي فهمها....
من الواضح تماما أن المصريين حالياً يعيشون مرحلة مبالغ فيها من ناحية الهوس الديني سواء المسلمين الذين يفرغون كل رغبتهم في الانتماء و الإحساس بالذات وغياب القدوة و القيمة والهدف و المعنى و يتجسد كل ذلك في محاولة البحث عن نقاط مضيئة في التاريخ الغابر يستظلون بها في واقعهم الذي أنكره الأغلبية فأنكرتهم الحياة وصار التاريخ و بعثه هو الأمل الوحيد و الخلاص من أزمات الواقع المعاصر
و المسيحيين أيضا يعيشون حالة من التطرف الغير مسبوق في التاريخ الحديث ويتحدثون بلغة الاضطهاد و الاستئصال و أصحاب الأرض الأصليين وما إلى ذلك و يقاومون رغبتهم في التحرر و خلق وضع هم يستحقونه بحكم إنهم من أبناء هذا البلد بالمزيد من الانعزالية و التطرف المبطن الذي يظهر فقط في المدونات و المنتديات و التظاهرات القليلة داخل الكنائس....
والعديد قد يختلف معي في تلك النقاط لكن هؤلاء أنصحهم فقط بمتابعة المنتديات الإسلامية
و المسيحية ليدرك فقط كم المخبولين من الطرفين الذي امتلاء بهم هذا الوطن التعيس
خلاصة الآراء التي قرأتها بالنسبة لموضوع النقاب تتلخص في رفض العديد من الأفراد (والغالبية العظمى من الذكور ويكاد يكون الإناث بلا حضور تقريبا) وإنكارهم لهذا الكتاب و ما يحتويه من أفكار غير صحيحة وبذلك مثلما قلت في البداية إنهم صاروا ملكين أكثر من الملك
لكن على الناحية الأخرى....
أليس هؤلاء الثلاثي جزء من النظام الرسمي المصري الذي يمقته أغلب المصريين و يتمنون (على اختلاف طوائفهم) زواله و زوال أذنابه الفاسدة التي أذلت الشعب المصري و أفسدته و أوصلت الحال إلى ماهو عليه !!!
ألم يصرح (على سبيل المثال) الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر، إن الإضراب لا يجوز من الناحية الشرعية، لأنه يعمل علي تعطيل المصالح العامة للمسلمين في وقت دعت فيه بعض القوى الوطنية للإضراب لأنه أحدى الوسائل الشرعية لتقويم أحوال النظام وحال المسلمين و غير المسلمين وهو أيضا صاحب تصريح "نحمد الله تعالي أن رزق مصر رئيساً مثل مبارك.. جنبها الفتن والمصائب" أيعيش شيخنا في كوكب أخر حتى يصرح بهذا التصريح ...وهو صاحب المصافحة الحميمة مع الثعلب الصهيوني العجوز شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني و المساهم الأول في إنشاء الترسانة النووية الصهيونية و عندما سأل الشيخ أجاب بأنه لا يعلم من هو قبل أن يصافحه و هذه نقرة أخرى.
الشيخ على جمعة مفتى الجمهورية ...ألم يصف الغارقين هرباً من الفقر و مذلته؛ عند السواحل الإيطالية بأنهم "ليسوا شهداء بل طماعون" في وقت كان أهالي الغرقى يتحسرون كمداً على أبنائهم الذين دفعتهم الحاجة إلى ركوب الأمواج بحثا عن حياة كريمة لم تكتب لهم "ظلما" في أوطانهم الأصلية
إن هذا التزاوج الغير شرعي بين رجال الدين و السلطة الرسمية (والتاريخ يخبرنا دوماً بأن هذا التزاوج هو جزء من أي نظام حكم ديكتاتوري في تاريخ البشرية) بمصر دفع العديد من المصريين إلى التمرد على هؤلاء الذين لم يستشعر المصريين معهم بأنهم يشاركونهم همومهم الحقيقية ولم يتفوهوا بكلمة حق في وجه سلطان جائر مما دفع الميزان إلى الاختلال وقفز على الدين كل من هب ودب وصار المنافقون يرددون ما يريده البسطاء من الناس ويعدوهم بالصبر و التمسك أكثر و أكثر بما يرونه "هم" صحيح الدين حتى تكون الحياة الأخرى كلها رخاء و عذوبة ويكونوا أوفر حظاً في حياتهم الآخرة عن الدنيا
هذا المشهد المرتبك لا يختلف عن المشهد العبثي الذي نعيشه جميعا و أتمنى أن يرفع المواطن المصري رأسه قليلاً ويسعى إلى تغيير نفسه أولا كمقدمة لتعضيد البناء الذي هو أساسه الفرد

تحياتي

أحمد البري

أسيوط في 21/3/2009


 
posted by Ahmed EL Berry at 8:21 AM 8 comments